عبد القادر الريس.. فنان إماراتي لمع اسمه في عالم الفن
عبد القادر الريس فنان تعلّم الرسم بالممارسة ليصبح واحداً من أهم الفنانين في الإمارات العربية المتحدة وأعظمهم وليلمع نجمه في عالم الفنّ.
عبّرت لوحات الفنان المبدع عن مواضيع كثيرة كاللجوء والانتفاضة الفلسطينية وواكبت التغيرات التي طالت دول المنطقة والحالات الاجتماعية التي ألّمت بها على مرّ السنوات، إلا أن التراث يبقى المادة التي أحبها الريس ولم يكف يوماً عن تناولها في أعماله الفنية إذ يعتقد أن التراث هو الرؤية الجمالية التي تتجلى في الموجودات التي تعيش مع ذكرياتنا وسيرتنا.
ولد عبد القادر الريس عام 1951 في دبي في الإمارات العربية المتحدة، ويعتبر واحداً من أكثر الرسامين شهرة في الدولة. حصل الريس على درجة البكالوريوس في القانون الشرعي من جامعة الإمارات العربية المتحدة عام 1982. وهو عضو مؤسس لجمعية الإمارات للفنون التشكيلية، وقد تخطت أعمال الريس الفنية حدود الإمارات لا بل العالم العربي لتصل إلى أوروبا والشرق الأقصى وأميركا وحازت جوائز عديدة من جهات عالمية ومحلية.
واليوم، مع انتشار ظاهرة المعارض الفنية الافتراضية ينظر الفنان الإماراتي بعين التفاؤل إلى الفترة المقبلة ويراهن على تحسّن الأحوال وانقضاء الأزمة على خير قائلاً: “إن عالم ما بعد الكورونا سيكون مختلفاً جداً عن عالم ما قبل الكورونا”. وقد يكون تعاونه مع غاليري ليلى هيلر خير دليل على تفاؤله هذا. فقد أعلنت غاليري ليلى هيلر سرورها لتقديم معرض “نقطة” وهو أول معرض فردي لها للفنان الإماراتي الرائد عبد القادر الريس ويمتد بين 23 مارس و15 سبتمبر 2020. قدّم الفنان للمعرض 50 لوحة نفذها في خلال الفترة الثالثة من حياته المهنية ليختار القيّمون عليه ما يرونه مناسباً. قدّمت هذه اللوحات التراث الفني الثقافي المحلي بطريقة تجريدية تدمج الريس ملامح الخط وملامح العالم الطبيعي الفريد التي تميّز المنطقة في محاولةٍ منه لدراسة العناصر الأساسية للون والشكل والضوء بدقة. تنوعت طريقة تنفيذ اللوحات، منها ما تمّ تنفيذه بالألوان الزيتية على القماش، واستعمل الألوان المائية لرسم لوحات أخرى على الورق.
عنوان المعرض “نقطة” مشتق من علامات التشكيل المستخدمة في النص العربي المقابلة للتنقيط الدائري المستخدم في النصوص اللاتينية وتتخذ شكل مربع قطري وتحتل في لوحات الريس أهمية مركزية، فتظهر بحجم أكبر. وخلافاً للحروف المنحنية الأصغر المحيطة، تضيف النقطة حضوراً موثوقاً وتضفي عنصراً سوريالياً من خلال تغيير نظرة المشاهد للأبعاد وإحساسه بها بينما تستعيد العلاقة بين الهندسة واللغة ودورها المحتمل في التجريد.
“في ظلّ الحجر المفروض علينا، يجد الفنان أمامه متسعاً من الوقت فحريٌ به أن يستفيد من ذلك ليعبّر عن ما في داخله من خلال فنّه”
هذا المعرض يتوّج مسيرة طويلة جداً في عالم الرسم، فقد بدأ الفنان الإماراتي الرسم عام 1964، في فترة كانت فيه البنية التحتية الثقافية محدودة فكافح الفنان العصامي ليحقق النجاح. انعزل في بداياته عن المجال الفني الدولي ومنتديات النقد الأوروبية وحصر نفسه في التقاليد الخليجية عند تجسيد أفكاره عن الله والثقافة والمجتمع، فجاءت أعماله متواضعة. أمضى شبابه في الكويت في الستينيات والسبعينيات في فترة كانت البلاد تشهد نهضة فنية وأدبية. في هذه المرحلة تحديداً، ظهرت موهبة عبد القادر الريس فكانت الرمال أول ما رسم عليه بخشبةٍ أو حجر أو غصن. استفاد الريس من اهتمام مدارس دولة الكويت بالفنون ومن المعارض التي كانت تُقام للطلاب الموهوبين كمعرض الربيع. وشارك الفنان الريس في تلك المعارض عارضاً لوحات بارزة ومميزة نالت الإعجاب وحازت جوائز كثيرة. بعد هذه المشاركات لفت عبد القادر الريس انتباه المدرسين والفنانين الكبار فأحاطوه بالعناية وقدموا له معلومات فنية غطت تقنيات الرسم المختلفة وتاريخ الفن والمذاهب الفنية المختلفة وقدموا له النصيحة عند الضرورة. اعتاد زيارة المرسم الحر، وهو استوديو ونقطة التقاء للفنانين، وقابل شخصيات رئيسية في حركة الفن الخليجي الحديثة كسامي محمد وخليفة قطان وليديا قطان. كانت أعمال الريس المبكرة تمثيلية ومتجذرة في الواقعية، حيث اعتاد تصوير المناظر الطبيعية والهندسة المعمارية الإماراتية التقليدية. في العام 1974، تحوّل اهتمام الريس الفنيّ حتى الثمانينيات من القرن الماضي، فبدأ يتناول في عمله مواضيع سياسية، فكانت الانتفاضة الفلسطينية الأولى التي جسدها في لوحاته عنوان المرحلة الثانية من مسيرة الفنان. بعد انتقاله إلى الإمارات، واصل الفنان عبد القادر الريس الرسم مركزاً على المواضيع التراثية القديمة وصناعة السفن، والبورتريه، إلا أن ظروفاً خاصة ألّمت به فوقع في دوامة الإحباط وابتعد عن الرسم فترة طويلة قبل أن يعود عن اعتزاله ويفيض على العالم بإداعه الفني الفريد.
والحديث مع الفنان الكبير أوضح حالته الفردية الاستثنائية، فهو إن تكلّم لا يقدّم إلا القليل من الكلام وكأن الرسم هو وسيلته الوحيدة لتوصيل أفكاره، وعن الفرق بين بداياته واليوم، اختصر الفنان قائلاً: “ركزت في بداياتي على المناظر الطبيعية والبورتريهات بالألوان الزيتية، وفي التسعينيات تحوّلت إلى الألوان المائية”.
وبالفعل، يظهر التغيير واضحاً في مسيرة الريس، ففي التسعينيات مال بشكلٍ أوضح إلى التجريد والخط، لتبدأ بذلك الفترة الثالثة من مسيرته الفنية التي عبّر في خلالها عن الصفات التأملية والروحية المشتركة للتجريد والخطّ. أعاد الفنان إحياء الخط مع لمسة حداثة من دون الابتعاد كلياً عن التقاليد القديمة، فكرر الحروف المفردة بطريقة ملونة تحرض على الشعور بانسجام يحتفل بأصوات اللغات العربية ويبجلها.
وكأي فنان آخر، يتأثر عبد القادر الريس بالوضع الراهن ويؤكد أن الإيجابية تخفف من وطأة الوضع، وقد قال: “في ظلّ الحجر المفروض علينا، يجد الفنان أمامه متسعاً من الوقت فحريٌ به أن يستفيد من ذلك ليعبّر عن ما في داخله من خلال فنّه”. وفي معرض كلامه هنا، ميّز الريس بين الفنان والرسام فقال: “الرسام ينقل الواقع كما هو، في حين أن الفنان يضيف إحساسه ليجمّل الواقع،” وأضاف: “يبقى الإبداع الأساس وعامل الحسم الذي يرتقي بعملٍ ويرفع من شأنه بينما تبقى أعمال أخرى أقل شأناً فيطوي الزمان صفحتها سريعاً من دون أن تحفظ لنفسها مكاناً في السجل البشري”.
واليوم يأخذ الفنان وقته لتنفيذ عملين، يعبّر أحدهما عن الأزمة الحالية لأنّه يعتبر أنّه من الطبيعي أن يتأثر الفنان بكل ما يدور من حوله، في حين أن اللوحة الثانية ستكون كبيرة الحجم (57.2 و57.1 متر) لباب يرسمه بالألوان المائية وتتميز بكثرة تفاصيلها ودقتها وتحتاج إلى وقت لتنفيذها، وقد لفتنا تركيزه على رسم الأبواب وعند سؤاله عن الأمر أجاب: “الأبواب بالنسبة لي هي مدعاة للتفاؤل. أتمنى أن تكون هذه اللوحة الكبيرة فعلاً باباً نلج من خلاله إلى مرحلة جديدة”.
نشر للمرة الأولى على صفحات عدد مايو 2020 من ڤوغ العربية.
أقرئي أيضاً: كلمة رئيس التحرير لعدد شهر مايو: أطلقي العنان لمهاراتكِ الإبداعية
ظهر المقال عبد القادر الريس.. فنان إماراتي لمع اسمه في عالم الفن للمرة الأولى على الموقع الإلكتروني لڤوغ العربية
ليست هناك تعليقات: