سمو الشيخة جواهر بنت محمد القاسمي تتحدّث عن أهمية الحفاظ على الحِرَف التراثية الإماراتية
«على مدار العِقد الماضي، شهدت إمارة الشارقة تقدمًا ملحوظًا في مجالات عديدة أسفر عن صقل مهارات الموهوبين بصفة مستمرة، فكل قرار يتم اتخاذه هو منفذ لفرص واعدة لهم. وفي إطار مساعينا نحو تمكين النساء وتعزيز مهاراتهن في قطاعات الفنون والحِرَف، تمكنّا من توفير فرصة لهن في مجال صناعة الأزياء، مع الحفاظ على التراث الإماراتي عبر توظيف الحِرَف التقليدية. ومن رحم ذلك وُلِدَ مزيج مذهل تجلّى نتاجه في روائع فنية صُنِعَت بأنامل فنانات ومصممات من الإمارات شققن طريقهن نحو وجهات الأزياء العالمية الفاخرة.
وفي إطار جهودنا للارتقاء بالمجتمع، أصبح مجلسُ إرثي للحِرَف المعاصرة، التابع لمؤسسة نماء للارتقاء بالمرأة، الوجهةَ التي تتولى رعاية أصحاب المواهب من ثروتنا البشرية في مجاليْ الفنون والحِرَف. وأتاح ذلك للحِرفيات والمصممات إمكانية تصميم الأزياء مع الحفاظ في الوقت نفسه على التراث الإماراتي من الحِرَف التقليدية.
عبر الأزمنة، شكلت الحِرف هوية المجتمعات وجسراً بين الحضارات، وكانت جزءاً هاماً من الحياة اليومية للناس في مختلف الحضارات القديمة، وشهد العديد منها تطوراً إبداعياً أضاف أبعاداً فنية للحرفة والعاملين فيها، ونحن نتعامل مع إرثنا من هذا المنظور لأننا نريد أن نرتقي بالحِرف الإماراتية ونتحاور مع العالم من خلال هويتنا وثقافتنا وخصوصية تراثنا، ونريد أن نتعرف على الحضارات الأخرى من خلال حرفها وموروثها الشعبي والفني.
نريد لأبناءنا وبناتنا أن يعرفوا أن الحِرف ليست مجرد وسيلة للعيش أو هواية لتمضية الوقت، بل هي الهوية التاريخية المجسدة لدولة لإمارات العربية المتحدة وتركة الآباء وإرثهم الذي يجب أن يصان ويحفظ للأجيال القادمة. كما نريد لهم أن يشعروا بالفخر بتاريخهم ومنجزاته ليدركوا أن الحداثة لا تعني التخلي عن الماضي، وأن كافة الفنون والمهن وأنماط الحياة الحديثة هي امتداد للتراث الذي يجمع الشعوب ويوحّدها.
ومن بين المشروعات الأساسية التي قدمها «إرثي» كان إطلاق أول خط إنتاج عالمي لحرفة التلي الإماراتية عام 2016. وكان إنجازًا هائلاً آنذاك أن يتم إطلاق تصاميم من حِرفة التلي التراثية الفريدة على مجموعة من حقائب اليد الفاخرة المصممة حسب الطلب. هكذا نتباهى اليوم ونحن نصدر فن «التلي» إلى العالم عبر عاصمة أوروبية عريقة، فقد حقق هذا الإنتاج نجاحًا هائلاً إلى حد أن وصل إلى سوق عالمية مهمة جديدة. وتمثل الحِرفيات الإماراتيات جزءًا جوهريًا من التراث الإماراتي. فمِن خلال مشروعات كهذه، نواصل تقديم دعمنا لكل الحِرفيات العاملات في هذا المجال، ونحافظ على حِرَفهن، كما نعمل على تطوير مستواهن، والتسويق لهن. ويُعزى الفضل في تحقيق ذلك إلى الدعم الهائل الذي يقدمه لنا قادتنا الذين يؤمنون بأصحاب المواهب ويحثوننا دومًا على توفير الأجواء المناسبة والأدوات التي من شأنها أن تطلق العنان لإبداعهم.
وفي هذا الصدد، علينا ألّا ننسى اختيار منظمة اليونسكو لإمارة الشارقة ضمن شبكتها للمدن المبدعة بصفتها مدينة الحِرَف والفنون الشعبية عام 2019، ما يمثل اعترافًا عالميًا بسعي الإمارة الحثيث والممتد على مدى عقود إلى تقريب الأجيال من تراثها وهويتها الوطنية. وكل تقدير عالمي تحصل عليه الشارقة إنما هو في حقيقته يؤكد على نجاح رؤية التنمية المرتكزة إلى الأفراد، والتي يقود مسيرتها بلا هوادة صاحب السمو الشيخ الدكتور سلطان بن محمد القاسمي عضو المجلس الأعلى حاكم الشارقة على مدار الأربعين عامًا الماضية. فالحِرَف التراثية والفن الشعبي والأدب وغيرها من منتجات الصناعات الإبداعية بالدولة هي ما يشكّل الهوية الجمعية للشعب. فلا طائل مطلقًا من وراء دخولنا عالم المستقبل دون معرفة هويتنا أو من أين أتينا من دون أن تكون هويتنا الحقيقية متأصلة فينا. لذا، تسعى إمارة الشارقة دون كلل نحو المحافظة على تراث هذه الأمة، وبث حياة ومغزى جديدين فيها، بحيث يمكن تطبيق ذلك على نحو مستدام، ومن ثم تصبح مصدر إلهام للنهضة الثقافية السريعة التي تشهدها دولة الإمارات حاليًا. وبفضل هذه الرؤية الاستشرافية، فرضت إمارة الشارقة ذاتها بوصفها مركزًا للاستثمار في الحِرَف المعاصرة وحاضنةً للإرث الإماراتي».
نشر المقال للمرة الأولى في عدد شهر مايو 2021 من مجلة ڨوغ العربية
أقرئي أيضاً: عدد مايو من ڤوغ العربية يحتفي بالمهارات الفنية والحِرَفية والخبرات العملية
The post سمو الشيخة جواهر بنت محمد القاسمي تتحدّث عن أهمية الحفاظ على الحِرَف التراثية الإماراتية appeared first on Vogue Arabia.
ليست هناك تعليقات: