منتجات جورج سارا، إبداع بين الأجيال
منذ تأسيسها في ١٩٠٥، ظلّت منتجات جورج سارا رمزًا للفخامة والحرفية اليدوية التي تعكس التراث المصري، ومع مجموعة TERRA الجديدة، تعود العلامة إلى جذورها لتقدم لحظة من الحنين عبر تصاميم تنبض بالأصالة.
«كانت الجودة العالية في التصميم والإنتاج هي ما ميّز المنتجات في تلك الأيام، مما وضع اسم العلامة في مقدمة الخيارات للنساء في المجتمع الراقي بالإسكندرية».

صورة من الحملة الدعائية لشتاء ٢٠٢٥
في قلب مدينة الإسكندرية، التي كانت تشتهر بجمالها وثقافتها الغنية في بداية القرن العشرين، بدأت قصة العلامة في عام ١٩٠٥. حيث قام ألفريد سارا، المعروف بمهارته الفائقة في الحرف الجلدية، بإنشاء ورشة صغيرة حملت اسم «جورج سارا» تيمنًا بابنه. من خلال تصميم القفازات الجلدية والقبعات وحقائب السهرة، أصبحت الورشة وجهة أساسية للسيدات من الطبقات الراقية اللاتي يبحثن عن الأناقة والتميز. تقول سارة الشايب، الشريكة والمديرة الإبداعية الحالية للعلامة: «كانت الجودة العالية في التصميم والإنتاج هي ما ميّز المنتجات في تلك الأيام، مما وضع اسم العلامة في مقدمة الخيارات للنساء في المجتمع الراقي بالإسكندرية».

جورج سارا
في عام ١٩١١، حصل ألفريد سارا على أول شهادة تقدير رسمية من المجلس اليوناني المصري، مما ساهم في تعزيز مكانته كرائد أعمال ذو رؤية مستقبلية. سمحت له هذه الشهادة بتوسيع نطاق عمل الورشة ونقلها إلى مساحة أكبر تلبي الطلب المتزايد على تصاميمه. كان هذا الإنجاز يعكس الاندماج الثقافي الذي ميز الإسكندرية آنذاك، والتي كانت تعد مركزًا حضريًا يجمع بين الثقافات المتنوعة. «لقد كانت تلك الفترة فرصة لتأكيد مكانة العلامة في مجتمع الإسكندرية المتنوع، حيث كانت الحرفية الفاخرة محل تقدير».

صورة من الحملة الدعائية لشتاء ٢٠٢٥
مع انتقال العلامة إلى الجيل الثاني، سافر جورج سارا الابن في ثلاثينيات القرن الماضي إلى باريس لدراسة تصميم الحقائب الجلدية في غرونوبل. هناك، تعلم تقنيات متقدمة وأعادها إلى مصر، حيث قام بتطبيقها في ورشة العائلة، مما أضفى لمسة من الحداثة على التصاميم الكلاسيكية. وسرعان ما أصبحت تصاميمه الجديدة أكثر شهرة بين النخبة في المجتمع. يوضح كريم الشايب، الشريك والمدير التنفيذي الحالي للعلامة: «كانت تلك الفترة نقطة تحول كبيرة؛ حيث تطورت تصاميمنا لتصبح أكثر حداثة ووظيفية، مع الحفاظ على الجودة العالية التي عُرفنا بها دائمًا».
«في الأربعينيات، أصبحت تصاميم العلامة الخيار الأول للأميرات والملكات، حيث كان جورج سارا شخصيًا يزور القصر الملكي لتسليم القطع المُصممة خصيصًا لهن».

ورشة جورج سارا منذ سنة ١٩٦٥ وحتى الآن
في الأربعينيات، اتخذ جورج سارا خطوات تاريخية لتثبيت مكانة العلامة على الصعيدين المحلي والدولي. وقام بتسجيل اسم «جورج سارا، ماروكينيري دو لوكس ١٩٠٥» في غرفة التجارة بباريس، مؤكدًا التزام العلامة بالجودة العالية. كما حصلت الورشة على ختم رسمي من العائلة الملكية المصرية كمزود معتمد للحقائب الجلدية. هذا الإنجاز لم يعزز سمعة العلامة فقط، بل فتح أمامها أبوابًا جديدة للنمو والتوسع. تقول سارة: «كانت هذه الإنجازات بمثابة تأكيد على التزامنا بتقديم أفضل جودة مع الحفاظ على هويتنا المصرية الأصيلة». وفي عام ١٩٤٧، توسعت العلامة إلى السوق الإيطالية من خلال شراكة مع شركة كاستليوني، المزود الشهير لإكسسوارات الحقائب. وهناك بعض القطع الأصلية من تلك الشراكة محفوظة حتى اليوم كجزء من إرث العلامة.

صورة من الحملة الدعائية لشتاء ٢٠٢٥
بين أروقة القصور الملكية وخلف أبواب الإبداع المتوارث، تمتد حكاية علامة جورج سارا العريقة، التي ارتبطت ارتباطًا وثيقًا بالتاريخ الثقافي والاجتماعي لمصر. في الأربعينيات، أصبحت تصاميم العلامة الخيار الأول للأميرات والملكات، حيث كان جورج سارا شخصيًا يزور القصر الملكي لتسليم القطع المُصممة خصيصًا لهن، ويتبادل أطراف الحديث مع الأميرات بعد دروسهن الموسيقية. ولم تتوقف التصاميم المميزة عند أفراد العائلة المالكة، بل وصلت إلى رموز الفن والأناقة مثل أم كلثوم، فاتن حمامة، وشادية، وحتى الملكة رانيا، ويسرا، وكندة علوش، وبشرى، ليصبح اسم جورج سارا رمزًا للرقي والفخامة.

أسطى ينفذ أحد الحقائب
مع مرور الزمن، انتقلت الراية إلى الجيل الثالث في السبعينيات، حيث تولت جيزيل جورج سارا وزوجها ماهر الشايب قيادة العلامة نحو آفاق جديدة. كان هذا العصر مليئًا بالتحديات السياسية والتغيرات الديموغرافية، لكن هذه التحولات أضفت نكهة جديدة على الهوية الأصلية للعلامة. تقول سارة: «تميز هذا العصر بتقديم مفاهيم وأفكار ومواد جديدة تمامًا. أضاف والدي، ماهر الشايب، لمسته الفنية الخاصة باستخدام مواد مبتكرة مثل الألياف والخشب، وابتكر تصاميم جريئة وغير مألوفة». وأنتج التحالف بين جيزيل وماهر أسلوبًا فريدًا أبرزته تقنية «الباتشوورك» التي استخدمت فيها الأقمشة المعاد تدويرها والخياطة اليدوية المميزة. كما تمكنت جيزيل من تحقيق نقلة نوعية في استراتيجية الأعمال من خلال تصدير الحقائب الفاخرة إلى أوروبا والدول العربية.
واليوم، ومع انتقال القيادة إلى الجيل الرابع، سارة وكريم الشايب، يستمر الإرث العائلي بروح جديدة تجمع بين الفخر والمسؤولية. يقول كريم: «أن تكون جزءًا من إرث يمتد لأكثر من ١٢٠ عامًا هو شعور ممزوج بالاعتزاز والتحدي. نؤمن أن الحفاظ على القيم الأساسية للعلامة مع التركيز على الابتكار والاستدامة هو ما يجعلنا نواصل هذا النجاح».

صورة تجمع بين أفراد عائلة جورج سارا
تشهد تصاميم العلامة اليوم على مزج فريد بين الأفكار العصرية والإلهام التراثي. يعيد الجيل الرابع تقديم القطع القديمة بلمسات حديثة تُلبي احتياجات الأجيال الجديدة، مع توفير خدمات ترميم الحقائب القديمة. تضيف سارة: «لا شيء يضاهي رؤية قطعة من تصميم أجدادنا تُحافظ على رونقها رغم مرور السنين. الحنين هو جزء لا يتجزأ من صناعة الموضة، ونحن نسعى للحفاظ على هذا الطابع المميز». هذا المزج الثقافي يظهر في التصاميم التي تلبي احتياجات شريحة واسعة من العملاء، حيث تتجاوز العلامة حدود العمر لتخاطب النساء العاملات، والأمهات العصريات، والجدات، والشباب الباحثين عن الأناقة في المناسبات، وحتى الطالبات. تصف سارة الشايب فلسفة العلامة قائلة: «إنها علامة تُشجع العملاء على توريث حقائبنا بين الأجيال للحصول على إطلالة كلاسيكية متجددة».
«المجموعة الجديدة لشتاء ٢٠٢٤ مميزة للغاية، حيث نسعى من خلالها للعودة إلى الجذور، اخترنا أن نطلق عليها اسم TERRA، والتي تعني الأرض، وهي دعوة لتذكير عملائنا بأهمية التمسك بتقاليدنا وثقافتنا في وسط الفوضى التي نعيشها.

صورة أرشيفية للحقائب تعود لسنة ١٩٤٠
يمثل الجلد الطبيعي ركيزة العمل، حيث تمثل كل قطعة تحديًا يُبرز إمكانيات هذا الخامة الغنية. تقول سارة: «نتحدى أنفسنا للحفاظ على أعلى مستويات الجودة باستخدام الجلود المصرية من المدابغ المحلية، إيمانًا منا بقدرة مصر على إنتاج خامات فاخرة». هذه الجودة ترتبط بفريق العمل الذي يضم حرفيين مخلصين، بعضهم يعمل مع العلامة منذ أكثر من ٣٠ عامًا، مما يضمن استمرارية الحرف اليدوية المتقنة عبر الأجيال.
وفي الوقت الذي تستمر فيه العلامة بالتطور، تظل بعض تقنيات الماضي حاضرة في كل قطعة تُنتجها. تقول سارة: «نستخدم نفس الأدوات اليدوية التي استخدمها أجدادنا في تشكيل الحقائب. الأمر أشبه بفنان يعمل على منحوتة». هذه الحرفية الدقيقة تُبرز الأهمية العميقة للتصميم كعمل فني ينبض بروح الأصالة والجمال.
واجهت جورج سارا تحديات عديدة للحفاظ على مكانتها في السوق الحالي، حيث تقول سارة الشايب: «أحد أكبر التحديات هو التكيف مع التغيرات السريعة في السوق، التي تفرض علينا التفكير في استراتيجيات جديدة للبقاء ذوي صلة مع المحافظة على سمعتنا كواحدة من أبرز علامات الحرفية الجلدية الفاخرة في مصر». تضيف سارة أن العلامة تواجه تحديًا آخر يتمثل في انتشار اتجاهات الموضة السريعة التي غالبًا ما تتجاهل مصادر المواد والإنتاج الأخلاقي، مما يغري العملاء بشراء المنتجات السريعة فقط لاتباع صيحات مؤقتة. من هنا، تسعى جورج سارا إلى تثقيف الجيل الشاب حول أهمية الاستدامة في الموضة وتقديم قيمة حقيقية تبرز الهوية والتميّز عبر الزمن.

الملكة المصرية ناريمان تحمل أحد حقائب العلامة
بالنسبة لسارة، يعد الحفاظ على هذا الإرث رسالةً تُبرز قيم العلامة الثقافية والتاريخية، بهدف إلهام الأجيال الحالية والمستقبلية. وفي إطار تطويرها للعلامة منذ توليها الإدارة عام ٢٠٠٥، قامت سارة بتعزيز رؤية العلامة بالتركيز على المنتجات المخصصة التي تُلبي احتياجات العملاء وتقديم خدمات ما بعد البيع رفيعة المستوى. وتابعت قائلة: «قررنا توسيع نطاق العلامة محليًا، وفتحنا متاجر في الإسكندرية والقاهرة والجيزة، مع الاحتفاظ بالتركيز على جودة الخدمة وتوطيد علاقتنا مع العملاء».
بالنظر إلى المستقبل، تأمل العلامة في توسيع نطاقها جغرافيًا مع الحفاظ على هويتها العائلية، حيث أكدت سارة: «نحن نعمل على تعزيز جورج سارا كعلامة مصرية لعملاء عالميين من مختلف الخلفيات. لهذا السبب، قررنا إنشاء شعار جديد يدمج الخط العربي، في خطوة تعكس رسالتنا المتأصلة في تصاميمنا وهويتنا التجارية».
أما عن علاقتها الشخصية بمفهوم «Maroquinerie De Luxe» أو «حرفية الحقائب الفاخرة» منذ عام ١٩٠٥، فتقول سارة إن هذا المصطلح يمثل رمزًا للفخامة والأناقة، ويؤثر بشكل كبير على قرارات العلامة، بدءًا من اختيار مواقع المتاجر، مرورًا بتصميمها وعرضها، وصولًا إلى اتخاذ قرارات استراتيجية تسهم في دعم هويتها.
حول الإلهام وراء مجموعة الشتاء الجديدة، تقول سارة الشايب: «المجموعة الجديدة لشتاء ٢٠٢٤ مميزة للغاية، حيث نسعى من خلالها للعودة إلى الجذور. اخترنا أن نطلق عليها اسم TERRA، والتي تعني الأرض، وهي دعوة لتذكير عملائنا بأهمية التمسك بتقاليدنا وثقافتنا في وسط الفوضى التي نعيشها». وتضيف أن هذه المجموعة، تبرز المهارة اليدوية الصافية التي تضفي على التصاميم جاذبية خاصة».
وتستمد هذه المجموعة طاقتها من الطبيعة، حيث تعكس ألوان التراكوتا الدافئة، ودرجات البيج الصحراوي، وزيتون سيناء، والعاج، والأسود العميق. وبهذا الطابع الطبيعي، تقول سارة إن هذه الرسالة تهدف إلى تعزيز الارتباط بالجذور والهوية، وتشجيع الأجيال الشابة على تبني هذا الاتجاه من خلال تصاميم مستدامة. وهكذا ومع كل مجموعة جديدة، تؤكد العلامة التزامها بالحفاظ على التقليد مع احتضان الابتكار، داعيةً جيلًا جديدًا لتجربة إرثها.
The post منتجات جورج سارا، إبداع بين الأجيال appeared first on ﭭوغ العربية.
ليست هناك تعليقات: